شهدت
رحاب كلية الحقوق بالجديدة يوم 30 يونيو 2025، تنظيم ندوة علمية معنونة ب "عشرينية
العدالة الانتقالية بالمغرب: مسارات وتحولات"، من تنظيم مختبر الأبحاث في
القانون العام والدراسات القانونية والسياسية بكلية الحقوق بالجديدة، والأكاديمية
المغربية للدراسات السياسية والدستورية، والمركز المغربي للعدالة الانتقالية
ودراسة التقارير الدولية، ومجلة المغرب الكبير للدراسات الجيوسياسية والدستورية،
وبشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعدة مختبرات الأبحاث والدراسات بكليات
الحقوق في كل من قلعة السراغنة ومراكش والمحمدية والجديدة والرباط بقطبيها أكدال
والسويسي.
انطلقت
الجلسة الافتتاحية حوالي الساعة 10:30 بكلمة ترحيبية لرئيس للأطراف
المشاركة في الندوة كل واحد باسمه وصفته
والطلبة، ومذكرا بالسياق العام الذي جاء فيه تنظيم هذه الندوة، تلته كلمات ممثلي
المراكز الدراسية ومختبرات الدراسات والأبحاث، ركزوا من خلالها على السياقات
العامة التي تحكمت في تنظيم هذه الندوة، إذ اعتبروا هذه الندوة فرصة لمناقشة موضوع
حيوي لايزال في حاجة إلى البحث والدراسة والتشريح بحكم قضاياه المتعددة التي تخص
مختلف الفاعلين والاكاديميين عبر مقارباتهم، باعتبار هذا الموضوع يشكل محطة مفصلية
في التاريخ المغربي.
بعد
ذلك انتقل الحضور للتفاعل مع الجلسة الأولى من خلال مداخلات السادة الأساتذة:
المداخلة
الأولى: افتتحها الأستاذ
محمد غالي، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية - قلعة السراغنة. من خلال تناوله موضوع" تجربة
العدالة الانتقالية ورهان الانتقال الناعم: قراءة في الفرص والتحديات"،
حيث ركز على نقط هامة تتمثل في الانتقال الناعم أو السلس أو المرن للانتقال من
خلال تكريس قيم سياسية ( التوافق،
التعايش، التفاهم) مفضلا عنصر التفاهم، لأن التوافق يمكن أن يكون مرحليا ويصعب
الحسم فيه بين ما هو صريح وما هو ضمني، كما أشار إلى أهداف مسلسل العدالة
الانتقالية من خلال الاعتراف بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتعزيز الثقة بين
الأطراف المنخرطة في مسلسل العدالة الانتقالية باعتبارها مصفوفة للتقييم، فالعدالة الانتقالية بالنسبة له هي
تحقيق ذلك التناغم بين الماضي والحاضر
لاستشراف المستقبل، وذلك لن يتحقق إلا من خلال المساءلة وجبر الضرر وضمانات عدم
التكرار، واعتبر أنه منذ تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة إلى حين دستور 2011 كان
العمل مرتكزا على التوليف بين الديمقراطية والتنمية، واعتبر أن الدستور الجديد أخذ
جل توصيات الهيئة، وحاول أن يعطينا هذا الانتقال الناعم في تجاوز الاحتجاجات (حركة
20 فبراير) باعتبار هذا الانتقال يساعد على تحقيق الامن القانوني.
المداخلة
الثانية: تناول فيها الأستاذ عبد
الحميد بنخطات، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس
أكدال و مدير مختبر القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال ورئيس
الجمعية المغربية للعلوم السياسية،
موضوع "الديمقراطية كأفق مؤسساتي للعدالة الانتقالية" من خلال
طرح سؤال محوري حول ما هو تأثير العدالة الانتقالية على المسار الديمقراطي (المشهد
السياسي) ؟، حيث أكد أن العدالة الانتقالية يجب أن تكون مخصصة وحاسمة حول القضايا
المرتبطة بها، من خلال ضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، عبر طرحه
لسؤال: هل فعلا نحن محصنون من عدم تكرار تلك الانتهاكات؟ واعتبر أن فلسفة العدالة
الانتقالية تقتضي الانتقال إلى عدالة قضائية تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة، مع
الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المغرب في تدبير ملفات الانتهاكات للتخلص من الإرث
الثقيل بشكل سلس.
واختتم مداخلته بأن العدالة
الانتقالية إذا لم تكن مدخلا للديمقراطية، فهي شكلت خروجا من السلطوية، واستحضر
هنا مجموعة من التجارب الدولية، إذ اعتبر أن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لم
ينجز منها حتى النصف، من خلال عدم المصادقة على مجموعة من القوانين وكذا تعزيز
حقوق الإنسان خاصة على مستوى الحيز الجغرافي والفئات والنساء.
المداخلة
الثالثة: ذ عبد الرحيم منار
السليمي، رئيس الأكاديمية المغربية للدراسات السياسية
الدستورية، الذي عنون مداخلته "
هل دستور 2011 وثيقة دسترة لمصالحة مرحلة الانتقال الديمقراطي بالمغرب؟"
حيث وضح من خلالها العلاقة بين الوثيقة الدستورية والعدالة الانتقالية
والمصالحة، حيث طرح سؤالا: هل دستور 2011 وثيقة عملت على دسترة العدالة الانتقالية؟
فدسترة العدالة الانتقالية تعني إدراج مبادئ وآليات المصالحة في الدستور، والاعتراف
بحقوق الضحايا ودسترة العدالة الانتقالية وإلزام المؤسسات باحترام وتنفيذ تلك
المبادئ، وتحويل المصالحة إلى مرجعية وطنية. كما أشار إلى الدروس المستخلصة من
التجارب الدولية لدسترة العدالة الانتقالية، من خلال التنصيص على تعويضات الضحايا
من داخل الدستور وتضمين العدالة الانتقالية ضمن الدستور وإعادة هيكلة الدولة
والفصل الحازم بين السلط. وأشار إلى أن المؤسسات الحكومية لا تستطيع وضع سياسات
فيما يخص عدم التكرار وجبر الضرر في المناطق المهمشة. كما انتقل إلى طرح سؤال حول
من هو المحدد الحاسم في وضع الدستور وهندسته، هل العدالة الانتقالية أم الربيع
العربي؟ مع العلم أن هناك فاصل زمني يمتد ل 6 سنوات بين تقرير الهيئة 2005
والدستور 2011، وهذا يعني أن الاشتغال على المصالحة والعدالة الانتقالية كان بدون
دستور، كما أن النقاش العمومي كله كان في اتجاه الربيع العربي، وتناسوا موضوع
العدالة الانتقالية، وخلص في النهاية كاستنتاج أن الذين وضعوا دستور 2011 تأثروا
بالربيع العربي أكثر ما تأثروا بالعدالة الانتقالية، والمشكل المطروح في المغرب يبقى
دائما مطروح حول التوازن بين الحقوقي والأمني.
المداخلة
الرابعة: ذ عبد العزيز قراقي،
أستاذ العلوم السياسية- كلية الحقوق-السويسي- الرباط، الذي عنون
مداخلته ب "العدالة الانتقالية بالمغرب من مأسسة المصالحة إلى تذبير
التحولات." انطلق في مداخلته بتقسيمها إلى عنصرين أساسيين، الأول يتعلق
بالمأسسة والثاني بكيفية تدبير هذه المأسسة، ثم انتقل إلى التذكير على أن المصالحة
ابتدأت 1990 مع تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والتحولات التي عرفها العالم
بعد انهيار الثنائية القطبية، كون هذا المجلس هو الذي سيشكل المأسسة لينتقل إلى
تأسيس هيئة التحكيم، وتوصيات المجلس ستؤدي حتما إلى تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة،
يعني هناك تفاعل وترابط بين هذه الأجهزة الثلاثة. فمسار المصالحة مرتبط باستمرارية
المؤسسات في ظل نفس النظام، واستمرارها مرتبط بسنوات الدراسة التي اشتغلت عليها
هيئة الإنصاف والمصالحة لمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها
هذه الفترة الزمنية. ثم عرج على مضمون خطاب العرش لسنة 2004 الذي سيركز على مأسسة
جديدة للدولة والحكم، من خلال سبعة عناصر يبقى أهمها قضية الصحراء المغربية، وضع
عقد اجتماعي جديد، بناء اقتصادي عصري وغيرها، فالدولة في فلسفتها ركزت على القطع
مع الماضي باعتبار هذا الماضي لا يجب أن يبقى مستمرا، والسعي إلى تحقيق مصالحة
مجتمعية وفق الخصوصية المغربية، لأن بدون تلك الخصوصية لما استطاع المغرب تدبير
مرحلة الربيع العربي، فالتدبير المؤسساتي
يلعب دورا مهما في الاستقرار خاصة على المستوى الحقوقي الذي نجح فيه المغرب من
خلال المصادقة على بعض الاتفاقيات الدولية، كما استطاع المغرب أن يجعل القضاء سلطة
مستقلة عن باقي المؤسسات ولو أنه في البداية، كما أشار إلى نهج السياسات العمومية
في مجال حقوق الإنسان، من خلال المساواة والمناصفة (الفصل 19)، كل هذا اعتبره
إيجابي، لكن أكد على أن هناك مشاكل مستمرة في المجتمع خاصة على مستوى التنمية
الحقوقية والاقتصادية من خلال التمايز بين المدينة والقرية (الفقر).
المداخلة
الخامسة: ذ عبد الغني
السرار، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة. الذي تناول
فيها " تكوين المكلفين بإنفاذ القانون على المقاربة الحقوقية بالمغرب:
دراسة نقدية في ضوء قرار الجمعية العامة رقم 34/169 بتاريخ 17 دجنبر 1979."
حيث اعتبر أن مسار العدالة الانتقالية هو مسار تراكمي، ابتدأ مع تأسيس المجلس
الاستشاري لحقوق الإنسان 1990، وكان له الفضل في تأسيس هيئة التحكيم، ثم في سنة
2004 تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة، من أجل تدبير ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان اعتمادا على آليات العدالة الانتقالية من قبيل التعويض وجبر الضرر، وتم
التركيز على التعويض الخاص بملف الموظفين المعتقلين بسبب أفكارهم السياسية
والنقابية.
الجلسة الثانية والثالثة ابتدأت حوالي
الساعة 13:00، تناولت مواضيع متنوعة كلها تصب في موضوع العدالة الانتقالية انطلاقا من رؤى تتنوع حسب
مداخلات الأساتذة.
مداخلة
ذ عمر الشرقاوي، أستاذ القانون العام، كلية الحقوق
بالمحمدية. المعنونة " 20 سنة من العدالة
الانتقالية: قراءة في المنتوج التشريعي"، انطلق من طرح السؤال حول مآلات
توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؟ هل كانت للتوصيات تأثير على المسار التشريعي؟ وهل
نحن أمام منتوج تشريعي يتضمن مضمون العدالة الانتقالية كمرجعية؟ وحاول بسط إجابات
هذا السؤال انطلاقا من ثلاث عناصر اعتبرها ليست دقيقة ولكن اعتمادا على المنتوج
التشريعي للحكومات السابقة، إذ تمت تقديم ثمانمائة نص قانوني منها اثنان وأربعين
تتعلق بالاتفاقيات الدولية، أهمها مصادقة المغرب على اتفاقية الاختفاء القسري، فمن
خلال هذا المسار يمكن القول أن الفاعل الدستوري لم يأخذ بمضامين هيئة الإنصاف
والمصالحة، ربما لعدم إشراكه في منظومة المصالحة، أو لسوء التفاعل بين الحكومة
والبرلمان مع الهيئة، بمعنى أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تشكل مرجعا دستوريا، ففي
كل التعديلات الدستورية كانت توصيات الهيئة غائبة، والتحدث هنا عن التعديلات ما
بعد 2005، وحتى تعديلات المسطرة المدنية لم تعرف هي الأخرى أية إشارات لتوصيات
الهيئة، هناك إذن تهميش لتوصيات الهيئة في السياسات التشريعية في كل الحكومات. كما
أشار المتدخل أنه في سنة 2012 تم وضع مخطط تشريعي، لكن نجد الفاعل الدستوري
(الحكومة والبرلمان) يميلان إلى المخطط الحكومي أو إلى الخطب الملكية أو التفاعل
مع اتفاقية دولية. فالكثير من التوصيات كانت لها امتدادات سلبية، فمجموعة القوانين
كانت لا تتماشى مع توصيات الهيئة أو تعمل على تعطيلها، واستخلص المتدخل على أن
هناك ضعف في مآلات هيئة الإنصاف والمصالحة، فبعد عشرين سنة لازالت التوصيات غير
مدسترة.
مداخلة
ذ عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون العام، كلية الحقوق- مراكش، بعنوان" ما بعد الإنصاف والمصالحة: دسترة
التوصيات والانعكاس على الواقع" ،انطلق في مداخلته بقراءة مقتطف من
الخطاب الملكي لسنة 2006 الذي أنهى مهمة الإنصاف والمصالحة، حيث ركز الخطاب على
إشارتين هما، الأولى موكولة للمؤرخ ليقيم الحصيلة بعد 20 سنة تقييما إما بشكل
موضوعي أو سلبي لهذا المنجز باعتباره عمل المؤرخين والباحثين، والثانية لمعرفة
الماضي بما يحمله من ثقل أليم وربطه بالحاضر لاستشراف المستقبل، والخلاصة أن هذه
التوصيات تم وضعها خلف الظهور من طرف الباحثين والمؤرخين، كما أن الفاعل السياسي
بدوره لم يأخذ بعين الاعتبار توصيات الهيئة باستثناء حزب واحد الذي ضمنها مرجعيته،
كما تم تغييب هذه التوصيات عند لحظة الفعل والنقاش العمومي، مثلا قانون الإضراب،
يلاحظ ولو فاعل سياسي أو حزبي استحضر توصيات الهيئة، مع العلم أن أغلب المعتقلين
هم سياسيين أو نقابيين دعوا في لحظة تاريخية إلى خوض إضرابات واعتقلوا. كما انتقل
المتدخل إلى مناقشة بعض هذه التوصيات وهي جبر الضرر الجماعي التي لم تنفذ، هذا ما
عجل بعودة الاحتجاجات في بعض المناطق، وهذا يعكس أن هناك خللا في جبر الضرر لهذه
المناطق، كما أشار إلى الفصل 19 من الدستور الذي جعل القوانين الدولية تحت رحمة
القوانين الداخلية.
مداخلة
ذ سعيد الخمري، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية،
ورئيس مختبر القانون العام وحقوق الإنسان بكلية الحقوق بالمحمدية،
الذي عنون مداخلته ب " أثر المصالحة على الدستور" حيث ركز على
طبيعة هيئة الإنصاف والمصالحة من خلال عملها وحصيلتها، حيث بدأ بتقديم تعريف حول
مضمون العدالة الانتقالية والسياقات التي أدت بتطبيقها وتشكيل لجان الحقيقة والأهداف
التي تسعى لتحقيقها كمعرفة الحقيقة وكشفها ومعالجة إرث الماضي الأليم من خلال
مقاربة التعويض وجبر الضرر والمساءلة.
ثم
انتقل للتجربة المغربية من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة الذي ركز على اختصاصاتها
النوعي المتمثل في البحث في طبيعة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والاختصاص
الزمني الذي يحدد فترة الدراسة من 1956 إلى 1999. ثم انتقل إلى مهمة هيئة الإنصاف
والمصالحة المتمثلة في البحث والتحري والتقصي لإثبات الحقيقة وجبر الضرر، وأشار
إلى مختلف الملفات التي تناولتها الهيئة، وركز فيها على جلسات الاستماع العمومية
لما لها من دور في التصالح مع الذات، ولما تشكله من شفاء للضحايا بعد البوح عن
معاناتهم، ثم انتقل إلى مناقشة الأثر القانوني للتقرير، حيث تضمن عدة توصيات،
والتي وجدت في الدستور متضمنة، والخلاصة التي توصل غليها المتدخل هو أنه تم تحصين
هذه الحقوق التي خلصت غليها الهيئة في الدستور نظريا، لكن على ارض الواقع كممارسة
وتطبيق غير مفعلة، وهذا مرتبط بدور الفاعل السياسي وفعاليته.
مداخلة
ذ محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري-
مدير مختبر الأبحاث في القانون العام والدراسات القانونية والسياسية بكلية الحقوق
– الجديدة، بعنوان " العدالة الانتقالية وسؤال التحول
الديمقراطي بالمغرب" مداخلته تأسست على شقين، الأول تناول فيه التحول
الديمقراطي، والشق الثاني العدالة الانتقالية، حيث تطرق إلى مفهوم العدالة
الانتقالية وآلياتها للكشف عن حقائق الماضي الأليم ومعالجتها لطي صفحة الماضي، ثم
طرح تساؤل حول: هل المغرب بهذه التجربة قد تحول إلى دولة ديمقراطية أم لا زال يعيش
مرحلة التحول، بل أن هناك من يرى أن هذا التحول قد طالت مدته.
فالمغرب
قد طبق إجراءات العدالة الانتقالية وفق خصوصيته، وركز على جلسات الاستماع العمومية
وما تشكله بالنسبة للضحايا لمداواة أثار الانتهاكات، وأشار إلى أن هناك طريقتين للمصالحة
أولهما ان العدالة ليست هي القصاص بل التصالح مع الذات، والثانية تعتبر ان العقاب
يمكن أن يعرقل مسار العدالة الانتقالية واستشهد على ذلك ببعض التجارب الدولية،
ليخلص إلى أن مسار التحول الديمقراطي جد معقد يتداخل فيه السياسي والدستوري
والحقوقي، وأن أشكال التحول أو الانتقال يكون عبر ثلاث آليات، إما عن طريق
الانتخابات، أو عن طريق المصالحة (تجربة جنوب أفريقيا، أو عن طريق التعديل
الدستوري.
مداخلة
ذ عبد الغني عماري، أستاذ باحث في القانون العام بكلية
الحقوق- الجديدة، بعنوان " المجتمع المدني والعدالة الانتقالية:
الرهانات والادوار" انطلق من سؤال: هل نجحت فعاليات المجتمع المدني في
تدبير ملف انتهاكات حقوق الإنسان وتضميد الجراح؟
والانتقال
إلى مرحلة السلم والأمان، فالمجتمع المدني يختزل العديد من الجمعيات وهذا يجعله
يشكل قوة فاعلة إذا ما تم توظيفه بشكل جيد، ويكون فاعلا في مسار العدالة
الانتقالية وهذا حال بعض التجارب الدولية، كما انتقل إلى تناول العدالة الانتقالية
انطلاقا بمستلزمات الإصلاحات المؤسساتية والدستورية. حيث ركز على دور المجتمع
المدني في تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة ودوره في مواكبتها، من خلال جلسات الاستماع
العمومية ورد الاعتبار المعنوي للضحايا وحفظ الذاكرة الجماعية، والملاحظ هو إقصاء
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من جلسات الاستماع العمومية. كما أوضح على دور
المجتمع المدني في مواكبة وتفعيل توصيات الهيئة وموقع الدستور من ذلك عبر خلق
مجموعة من المؤسسات التي تم التنصيص عليها في الدستور، واستخلص على أنه بالرغم مما
تحقق واعتبر إيجابيا، هناك قصور يتعلق بهذه التجربة من خلال المقارنة بين النوايا
والتفعيل، وهذه مسؤولية مطروحة على المجتمع المدني في الدفع بالملفات التي لازالت
عالقة من اجل تفعيلها.
مداخلة
ذ المصطفى بوجعبوط، مدير المركز المغربي للعدالة
الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، المعنونة ب " ملفات عالقة في تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب
بعد 20 سنة مصالحة غير مكتملة" وقد أشار الدكتور أن
تجربة العدالة الانتقالية لعبت دورا في التغير الفكري للمجتمع الذي أصبح متشبع
بقيم حقوق الإنسان والحريات العام والتغير الذي واكب مخرجات هيأة الإنصاف
والمصالحة من الترسانة القانونية والمؤسساتية. كلها قيم تهدف إلى الرقي بالمجتمعات
التي تحاول القطع مع إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأكد أن هذه القيم
مبنية على تعاقد جديد سموه احترام القانون والمؤسسات والنهوض بحركة حقوقية قوامها
التنمية المستدامة والحرية الإنسانية.
وطرح الدكتور بوجعبوط مجموعة
من التساؤلات العالقة خلال مرور 20 سنة تقريبا عن تجربة هيأة الانصاف والمصالحة
مرتبطة .....وأكد أن عشرينية العدالة الانتقالية بالمغرب ورثت ملفات عالقة تحتاج
إلى البحث والتحري لأجل المعالجة النهائية والبحث على مداخل فضلى للمعالجة، وأشار
الدكتور من خلال مداخلته إلى 05 ملاحظات و05 استنتاجات نذكر منها:
اشكالية
كشف الحقيقة الذي اعتبره محدود من حيث البحث والتحري في ظل التجربة المغربية،
بالرغم من بعض الإيجابيات التي أنجزت، ويدعوا إلى ضرورة استكمال كشف مصير الحالات
العالقة، ومعرفة بشكل علمي ADN هويات الرفات المتواجدة في القبور المجهولة
بتحديد بشكل دقيق تواريخ الاعتقال أو الاختطاف وأماكن الاحتجاز وظروف الوفاة
وأسبابها. واعتبر الدكتور بوجعبوط أن إشكالية رفات الضحايا لازالت عالقة في
التجربة المغربية وفتية في هذا المجال سواء تعلق الأمر بضحايا 1981 بالدارالبيضاء
أخص بالذكر " القبور الافتراضية التي تم دفنها قرب الوقاية المدنية" أو
ضحايا 1990 بفاس أو ضحايا تازمامارت.....إلخ. ويؤكد أن كشف رفات الضحايا يستدعي
الخبرة الجينية وفق القواعد العلمية للاستخراج الرفاة وما تم التوصل إليه تبقى
عبارة عن "رفاة افتراضية" ولم تخضع إلا لتحليلات جينية سطحية غير معمقة
ودقيقة. 44 حالة.
واشكالية
"ملفات خارج الأجل" لضحايا مابين 1956-1999 ملفات أصبح يطرح عليه
"خارج الأجل"، حيث هذه الملفات عمرت منذ نهاية عمل هيأة الإنصاف
والمصالحة، ظهر من خلالها مجموعة من الضحايا وذوي الحقوق وخصوصا منهم ضحايا 10
دجنبر 1990 بفاس وضحايا آخرين من أحداث 1981 و1984 ...، وما تبقى من ملفات أهرمومو
(عدم الاختصاص) علما أن البعض منهم قدم ملفه للهيأة وطلب منه استكمال الوثائق ووجد
نفسه عند نهاية عمل الهيأة خارج الأجل.... الكل وجدوا أنفسهم أمام مصطلح "خارج
الأجل" بالرغم من أنهم يعتبرون ضحايا داخل زمنية هيأة الإنصاف والمصالحة
1956- 1999. ووقف الدكتور بوجعبوط على ملفات العالقة في شأن التقاعد التكميلي الذي
كانوا موظفين عمومين، (ضحايا تازمامارت) إلى جانب جبر باقي الأضرار لضحايا
"خارج الأجل" وبعض مجهولي المصير وعدم استمرار برامج جبر الضرر الجماعي
التي توقفت منذ مدة في 149 مشروع فقط...وبالتالي فهذا الاحتفاء يستدعي تقيم تلك
المشاريع والاطلاع على اللوائح الإسمية للضحايا بعد تحينها عن اللوائح 2010 .
واعتبر الدكتور أن برامج حفظ الذاكرة التي تتعلق بتحويل المعتقلات غير النظامية
إلى مراكز سوسيوثقافية (تازمامارت، اكدز، قلعة مكونة، درب مولاي الشريف، ...) تتسم
بالضعف في التنفيذ
في
الأخير، اعتبر بوجعبوط أن نجاح التجربة في بعدها الحقوقي يحتاج إلى إرادة وتظافر
الجهود من لدم مختلف الفاعليين الرسمين وغير الرسمين من خلال هندسة جديدة من إحداث
لجنة مؤسساتية مستمرة في المستقبل متخصصة في الرفات والطب الشرعي... وغيرها من
التحريات
فالملفات
العالقة أصبحت تؤثر بشكل حقيقي على منجز العدالة الانتقالية وخير دليل ما تضمنته
التقارير الموازية للمجتمع المدني المرفوعة للجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري
سواء سنتي 2022 أو 2024 وما تطرحه الساحة الحقوقية من ملفات مرتبطة باستكمال تنفيذ
توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة أو التعويضات الفردية (ملفات خارج الآجل) وحفظ
الذاكرة والتقاعد التكميلي وكشف الحقيقة والرفاة...الخ.
مداخلة
عبد الحق مصدق، منسق لجنة متابعة تنفيذ توصيات هيئة
الإنصاف والمصالحة بالمجلس الوطني لحقوق الانسان. بعنوان "
تسوية ملف الاختفاء كمدخل للقطع مع إشكالية الاختفاء القسري"، انطلق
المتدخل من اعتبار الاختفاء القسري هو أبشع صور انتهاكات حقوق الإنسان، وهذا الاسم
كان يطلق في المغرب بالمختفي من قبل العائلة، والجمعيات الحقوقية كانت تسميه
مختطف، مجهول المصير..، فهيئة الإنصاف والمصالحة مطروح عليها التفاعل مع لوائح
الاختفاء القسري بل حتى من طرف الجمعيات الحقوقية، أقر بأن المجلس بدأ منذ 2023 في
الاشتغال على هذه الملفات للخروج بلائحة موحدة في ظل تضارب الأرقام، أحيانا يوجد
نفس الشخص يحمل أسماء متعددة. كما استحضر الصعوبات التي اعترضت المجلس أثناء
اشتغاله على هذا الملف، إذ لم يكن هناك تعريف قانوني للاختفاء القسري، مع العلم أن
بدايات الاختفاء القسري بدأن منذ 1956، كما أن المغرب لم يكن يتوفر على أرشيف، ومن
النتائج التي توصل إليها المجلس اليوم أن هناك لائحة رسمية، والمجلس نشر جميع
اللوائح والعدد يفوق ما صرحت به الجمعيات الحقوقية، كما أن ممثل المجلس صرح بأن
العدالة الانتقالية انتهت ولكن روحها مستمرة ولو بصيغ أخرى، وأن الجامعة المغربية
هي المخول لها في هذه اللحظة أن تعمل على إتمام العدالة الانتقالية من خلال بحوث
الطلبة في سلك الماستر والدكتوراه.
أما
الجلسة الأخيرة فقد تضمن مداخلات ذات أهمية، فقد تدخل ذ.عبد
الكريم حيضرة: أستاذ
التعليم العالي، رئيس شعبة القانون العام، مدير مختبر الابحاث القانونية وتحليل
السياسات متخصص في القانون الاداري والمنازعات الادارية- مراكش. بمداخلة معنونة: ب"مساهمة
المحاكم الادارية في صيانة الحقوق والحريات بالمغرب”، والدكتور مهدي منشيد: أستاذ العلوم السياسية
بكلية الحقوق المحمدية. بمداخلة حول موضوع:"سياقات
حقوق الانسان في المغرب المستقل: من ماضي الانتهاكات إلى مسلسل البناء الديمقراطي"، والدكتور خالد
عثماني: أستاذ التعليم العالي-كلية
الحقوق- الجديدة بمداخلة معنونة ب:. La lutte contre la torture : d'une justice transitionnelle vers une
justice préventive
أما بالنسبة للدكتور نجيب
جيري: استاذ
القانون العام، منسق ماستر الادارة الرقمية للتنمية وهندسة انساق الحكامة المالية
والضريبية. بمداخلة معنونة ب"تأملات في مطلب المصالحة: وهم
القطيعة مع أطروحة "نهاية
الانتهاك" وبداية
" عهد
الحقوق"”، أما الدكتور عبد الصمد الهرشيش : أستاذ بكلية الحقوق- الجديدة، بمداخلة
معنونة ب:“Penser
l'IER au prisme de Rawls, Habermas et Shaklar”،
أما المداخلة الأخيرة للباحث عبد البر نصوح: باحث
في القانون العام وعلم السياسة حول
عنوان: العدالة الانتقالية، ودينامية الإصلاح
الديمقراطي”.
واختتمت
أشغال الندوة العلمية بالتفاعل مع أسئلة ذات أهمية من لدن الطلبة بكلية الحقوق
الجديدة، وتم بعدها توزيع الشواهد على المشاركين في أشغال الندوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق