شريط



كيف انعكس تغيّر المناخ على الوعي البشري؟


أريــج عرفه  تكتب :

أراقب الإنسان منذ مدة
أراقب سلوكه، تصرفاته، ملامحه، طريقته في النظر للعالم، وأشعر أن شيئًا عميقًا قد تبدّل
لم يعد الناس كما كانوا لا الملامح، ولا العواطف، ولا حتى طريقة الحزن أو الفرح كما عرفناها من قبل
سألت نفسي كثيرًا ما الذي تغيّر فينا؟

قلت ربما السوشيال ميديا، ربما الحفلات الصاخبة، ربما انتشار المخدرات والموسيقى العالية التي تخترق الدماغ قبل الأذن
ثم فكّرت أكثر

ربما هي الأزمة الاقتصادية، ربما الضغط، ربما الكآبة التي تركها زمن كورونا فينا جميعًا
لكن شيئًا في داخلي كان يهمس لا، الأمر أعمق من ذلك
الجواب ليس فقط في النفس، بل في الأرض نفسها
فحين اختلّ توازن الكوكب، بدأ الإنسان يفقد توازنه أيضًا

منذ أن أغلقت المدن أبوابها في زمن الجائحة، وعمّ الصمت طرقات الأرض، بدا وكأن الكوكب نفسه يلتقط أنفاسه بعد قرونٍ من اللهاث البشري كانت كورونا أكثر من وباءٍ طبي كانت اختبارًا كونيًا لوعي الإنسان، لحضارته التي تجاوزت سرعتها قدرته على الإصغاء إلى نَفَس الأرض
في تلك اللحظة التي انسحب فيها الإنسان إلى داخل جدرانه، كان الكون يعيد ترتيب توازنه السماء صارت أكثر صفاءً، والماء أكثر نقاءً، والهواء أقل اختناقًا. لكن حين عاد البشر، لم يعودوا كما كانوا
تبدّلت الأرض... وتبدّل معها كل شيء

لقد بدأ اختلال المناخ كحدثٍ بيئيٍّ ماديٍّ ظاهر، لكنه في العمق كان زلزالًا في بنية الوعي فحين ترتفع حرارة الأرض، لا تشتعل الغابات وحدها، بل تحترق أيضًا المساحات الخفيّة في الإنسان تلك التي يسكنها الإحساس بالأمان والاتساق حين تتبدّل التربة وتفقد خصوبتها من المعادن والعناصر الدقيقة، فإنّ غذاء الإنسان يتبدّل معها ما يدخل الجسد من طعامٍ مفقود الحيوية، يصبح طاقةً ناقصة تهبط بالذبذبة لا بالذوق فقط وهكذا تتسلّل الاضطرابات المناخية إلى كيمياء النفس في صمتٍ لا تلتقطه المجاهر بل تلتقطه الأرواح

فالهواء الذي نتنفسه لم يعد كما كان نسبة الأكسجين تقلّ في بعض المناطق مع تزايد الملوّثات الدقيقة، وجزيئات المعادن الثقيلة تطوف في الفضاء وتدخل الرئة ثم الدم ثم الدماغ إنّ الدماغ البشري مركز التوازن العاطفي والوعي بات يستقبل إشارات من بيئة مشوَّشة، تحمل تردّدات كهرومغناطيسية غير متجانسة، ناتجة عن تداخل بين التكنولوجيا والمناخ والطاقة الملوّثة
هذه التردّدات لا تكتفي بإرهاق الجسد بل تخلخل الهالة الطاقية التي تحيط بالإنسان، تلك الطبقة الرقيقة التي تربط بين الجسد والنفس والروح وعندما تضطرب طاقة الأرض، يضطرب الإنسان أيضًا لأنه ابنها، مرآتها وامتدادها

منذ كورونا، ازداد الشعور الجمعي بالضياع والقلق والعزلة لم يكن ذلك فقط بسبب الخوف من الموت، بل لأن

 الإنسان واجه فجأة هشاشته أمام الطبيعة كانت الأرض تقول له بصوتٍ خافت لستَ سيّد الكون، بل جزء من نَفَسي
وحين لم يسمع الرسالة جيدًا، جاءت موجات التغير المناخي لتستكمل الدرس العواصف والحرائق والجفاف لم تكن عقابًا، بل لغة الطبيعة الجديدة، تحاول أن تُوقظ الوعي الغافل وكلما تجاهل الإنسان هذه النداءات، ازداد الانفصال بينه وبين ذاته، لأنّ الانفصال عن الأرض هو انفصال عن النفس

تبدّلت الذبذبات المحيطة بالكوكب من حقول مغناطيسية إلى موجات كهرومغناطيسية إلى تغيّر في طبقة الأيونوسفير فأصبحت الهالة الإنسانية مشوَّشة ذلك ما يفسّر علميًا ازدياد حالات القلق والاكتئاب واضطرابات النوم بعد ٢٠٢٠، ليس فقط لأسباب اجتماعية، بل لأن الإيقاع الحيويّ للإنسان لم يعد متناغمًا مع الأرض
من يراقب نبض الكوكب يعرف أن تردّد (شومان) وهو الذبذبة الطبيعية للأرض تغيّر في السنوات الأخيرة، مما أحدث اضطرابًا في التوافق بين موجات الدماغ البشري والمجال الكوكبي إنها لغة الطاقة 

وهكذا، حين نرى الإنسان اليوم أكثر قلقًا، أكثر تعبًا، أقل تركيزًا، فإننا لا نتحدث فقط عن أزمة نفسية جماعية، بل عن تحوّل كونيّ في الوعي
لقد تغيّرت التربة والهواء والماء، فتغيّر معها الفكر والمزاج والإحساس بالزمن 

تغيّرت المغذّيات التي تبني الجسد، فضعفت معها المناعة الطاقية، وأصبح الإنسان يعيش في دائرةٍ مغلقة من التوتّر المستمر
لكن خلف كل اضطراب هناك فرصة للعودة إلى الأصل فكما أن الأرض تعيد خلق نفسها عبر الفصول، يمكن للإنسان أن يُعيد خلق وعيه عبر الصمت، التأمل، والتناغم من جديد مع نبض الكون

حين نُدرك أن اختلال الأرض ليس سوى مرآة لاختلالنا الداخلي، يبدأ الطريق إلى الشفاء
فالأرض ليست شيئًا خارجنا، بل كيان حيّ يسكننا كما نسكنه كل ذرة في جسدنا كانت يومًا ما جزءًا من ترابها، وكل نَفَسٍ نتلقّاه من هوائها يحمل ذبذبتها في خلايانا
ولذلك، حين تختنق الأرض، يضيق صدر الإنسان وحين تُصاب تربتها بالجفاف، تجفّ مشاعره دون أن يدري

إنّ العودة إلى التناغم مع الأرض ليست عودة بيئية فحسب، بل عودة روحية إلى التوازن الأول، حين كان الإنسان يرى نفسه استمرارًا للكون لا سُلطانًا عليه
إنها ليست دعوة للهرب من المدن، بل للعودة إلى الإصغاء
أن نأكل بوعي، أن نتنفس بوعي، أن نلمس التراب ونشعر بنبضه، أن نُطفئ ضجيج الآلات قليلًا لنسمع موسيقى الريح والماء تلك الأصوات القديمة التي كانت تهدهد أرواح أجدادنا

الإنسان لا يُشفى حين تُعطى له الأدوية فقط، بل حين يعود إلى إيقاع الأرض
حين يمشي حافيًا في التراب فيتبادل مع الكوكب شحنة الحياة، حين يمدّ وجهه للشمس فيتذكّر أن الضوء هو لغة الخلق الأولى، وحين يُمارس التأمل لا كطقس، بل كعودةٍ إلى المركز الذي يربط بين الجسد والنفس والسماء

لقد صار واضحًا أن الأزمة التي نعيشها ليست فقط أزمة مناخ أو اقتصاد أو قيم، بل أزمة وعي
لقد نسينا أن الطاقة التي تسيّر الكواكب هي نفسها التي تنبض في قلوبنا
حين يكتشف الإنسان ذلك، تتبدّل نظرته للكون ولذاته فلا يعود يرى نفسه منفصلًا عن التراب أو المطر أو الحيوان أو النبات، بل يرى الكل كنسيجٍ واحدٍ يتنفس معًا
وهنا يبدأ التحوّل الحقيقي من الإنسان المستهلك إلى الإنسان الكونيّ، من الجسد المنفصل إلى الوعي المتصل، من الاضطراب إلى السكون

ربما كان تغيّر المناخ رسالة غير منطوقة من الأرض تقول لنا بلغةٍ رمزية

إنّ شفاء النفس يبدأ حين تُشفى الأرض
وما بين ترميم التربة وتنقية الهواء واستعادة الذبذبة الكونية، تنبعث روح جديدة في الإنسان،
تُذكّره بأنه لم يُخلق ليُسيطر، بل ليُشارك، لم يُوجد ليستهلك، بل ليُقدّس الوجود في كل ذرةٍ منه

وهكذا حين يُصغي الإنسان أخيرًا إلى أنين الأرض
يكتشف أن الصوت الذي يسمعه ليس صوتها، بل صدى صوته هو،
منذ أول لحظةٍ نسي فيها أن الكون كلّه نَفَسٌ واحد

منذ بدايات القرن العشرين، اكتشف العلماء أن الأرض ليست كتلة صامتة، بل كائن نابض يصدر تردّدًا كهرومغناطيسية، يُعرف باسم تردّد شومان
7.83 هرتز (Hz)يقدر نحو 

يشكّل النبض الطبيعي للكوكب، ويعمل كإيقاعٍ كونيّ تتفاعل معه الكائنات الحيّة، بما فيها الإنسان 

ما يثير الدهشة أنّ موجات الدماغ البشري في حالاته الهادئة ألفا وثيتا 

تتوافق تقريبًا مع هذا التردّد نفسه
أي أن الإنسان، حين يكون في حالة تأمل أو صفاء ذهني، يكون منسجمًا مع نبض الأرض

هذه العلاقة ليست رمزية فقط، بل مثبتة في أبحاث أجرتها مؤسسات مثل

NASA وHeartMath Institute

والتي وجدت أنّ تغيّرات الحقل الكهرومغناطيسي الأرضي يمكن أن تؤثر في الحالة

 المزاجية والموجات الدماغية للأفراد حول العالم

لكن خلال العقود الأخيرة، ومع تسارع النشاط الصناعي وتغيّر المناخ، لاحظ العلماء اضطرابًا طفيفًا في ثبات هذا التردّد، وتداخلًا بين المجالات المغناطيسية الطبيعية والمجالات الاصطناعية الناتجة عن التكنولوجيا، والأقمار الصناعية، وشبكات الاتصالات
وهذا يعني أن الإنسان اليوم يعيش داخل مجالٍ طاقي أكثر ازدحامًا وتشويشًا مما عاشه أسلافه

هذا التشويش لا يؤثر على الجسد فقط، بل أيضًا على نظام التنظيم الذاتي للنفس أي التوازن بين الجهاز العصبي الهادئ (parasympathetic) والجهاز النشط
فعندما تتعرض هذه الأنظمة لترددات عالية ومتناقضة، يصبح الجسد في حالة استنفار دائم، مما يزيد من القلق والتوتر ويُضعف المناعة ويشوّش النوم

إضافة إلى ذلك، فإنّ تغيّر المناخ لا يقتصر على الحرارة أو التلوث، بل يشمل أيضًا تغير توزيع الأيونات في الغلاف الجوي
ففي الأيام التي ترتفع فيها الشحنات الموجبة في الهواء نتيجة الجفاف أو العواصف أو الموجات الحرارية، ترتفع معها معدلات التهيّج والصداع والقلق في البشر وهو ما أثبتته دراسات في 

Terrestrial Physics
وهكذا يتّضح أن الاضطراب المناخي يؤثر على الكيمياء العصبية والطاقة الحيوية معًا، فيخلق دائرة خفية من الاضطراب النفسي الجمعي

لكنّ الأمر لا يقف عند حدود الخطر؛ إذ يمكن للإنسان أن يستعيد توازنه بسهولة حين يعيد ضبط تردّده الداخلي عبر أدوات بسيطة أثبتها العلم مثل

التأمل والتنفس الواعي، اللذان يعيدان الدماغ إلى موجات ألفا المتناغمة مع نبض الأرض

المشي في الطبيعة أو ملامسة التراب (grounding) الذي يعيد الشحن الكهربي للجسد إلى حالته الطبيعية؛

تقليل التعرّض للموجات الاصطناعية عبر الصمت التكنولوجي الدوري

والغذاء الطبيعي الغني بالعناصر المعدنية التي تربط الجسد بالمصدر الأصلي للطاقة الحيوية

بهذه الخطوات الصغيرة، يمكن للإنسان أن يعيد وصل ما انقطع بينه وبين الكوكب، فيستعيد تردّده الكوني الذي كان دومًا سرّ توازنه وسكينته


بقلم /أريج عرفه  

Post a Comment

أحدث أقدم