شريط



بقلم: سيداتي بيدا

في لحظةٍ تتقاطع فيها الذاكرة مع الحلم، وتتنفس فيها الصحراء عبق التاريخ، احتضنت غرفة الصناعة التقليدية لجهة العيون الساقية الحمراء معرضًا اقتصاديًا استثنائيًا بمناسبة الذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء، خلال الفترة الممتدة من 31/10/2025 إلى 07/11/2025
لم يكن المعرض مجرد فضاء للعرض والتسويق، بل كان احتفالًا بالإنسان المغربي الصبور والمبدع، الذي يجعل من رمال الصحراء منبعًا للحياة، ومن الأعشاب البرية عطرًا وهوية.



تألقت أروقة المعرض بمنتجاتٍ تنبض بالحكاية؛ حكاية نساءٍ حملن بين أيديهن إرث الجدّات وصاغنه برؤية الحاضر. زوارٌ توافدوا من كل صوب، يكتشفون جمال الصناعة التقليدية وروح التعاونية المغربية، حيث يلتقي الإبداع بالحس الوطني في مشهدٍ يختزل معاني التنمية المتجددة والاعتزاز بالأصالة.

ومن بين هذه النماذج المضيئة، برزت تعاونية "لمسات نسائية" للأعشاب الطبية والعطرية، برئاسة السيدة حرية عبدي، التي استطاعت أن تحوّل الأعشاب الصحراوية إلى لغةٍ للجمال والعلاج معًا.
تأسست التعاونية بتاريخ 13 شتنبر 2019، لتصوغ من النباتات الصحراوية كنوزًا عطرية وطبية تمزج بين العلم والتراث. منتجاتها ليست مجرد زيوت أو مراهم، بل هي رسائل من الصحراء إلى الجسد والروح، تُستخلص من الصمغ العربي، والبان الذكري، وسنام الجمل، والكركديه، وأعشاب أخرى تنمو على وقع الرياح ونور الشمس.

لكن سرّ نجاح هذه التعاونية لا يكمن فقط في ما تنتجه، بل في فلسفة العمل الجماعي والإيمان بالمعرفة كطريقٍ للتحرر والتمكين. فقد جعلت من التعاونيات شريكًا في التنمية، ومن النساء رائداتٍ في مسيرة العطاء، من خلال تنظيم ندوات ومحاضرات توعوية، والمشاركة في برامج وطنية ودولية لتبادل الخبرات في مجال الأعشاب الطبية والعطرية.

في أروقة المعرض، كانت “لمسات نسائية” تحكي قصتها للعابرين... قصة صبرٍ وإصرار، تحوّل العشب إلى دواء، والفكرة إلى مشروع، والحلم إلى واقعٍ يعطر المكان.
إنها تجربة تُثبت أن الاقتصاد التضامني حين يتكئ على روح المرأة الصحراوية، يغدو فعلًا حضاريًا يعيد تعريف التنمية بمعناها الإنساني العميق.

وهكذا، لم يكن هذا المعرض مجرد حدث اقتصادي، بل قصيدة منسوجة بخيوط الأمل والإبداع، تؤكد أن الصحراء ليست أرضًا للعزلة، بل فضاءً نابضًا بالابتكار والأنوثة والقوة.
ومن قلب العيون، تواصل “لمسات نسائية” رسم دروبٍ جديدةٍ في رحلة الألف عطرٍ وألف فكرة، لتقول للعالم:

 إن من رمال الصحراء تولد المعجزات... حين تلمسها أنامل النساء.

Post a Comment

أحدث أقدم