بقلم: سيداتي بيدا
على امتداد أكثر من ثلاثين سنة، تواصل تعاونية قصر الدراعة لرئيسها المكون الداه النح رسم مسار متميز داخل مشهد الصناعة التقليدية بالأقاليم الجنوبية، من خلال مشروع رائد يحتضن التراث ويمنح الشباب فرصاً حقيقية للتمكين الاقتصادي. فقد نجحت التعاونية في ترسيخ نفسها كفضاء حي يزاوج بين الأصالة والابتكار، ويحول الزي الصحراوي من مجرد لباس تراثي إلى صناعة قائمة على الإبداع والجودة.
منذ تأسيسها، أولت التعاونية أهمية خاصة للحرف التقليدية الأصيلة، مراكمة خبرة عميقة في الخياطة والطرز وتفصيل الزي الصحراوي. هذا التخصص لم يكن مجرد نشاط إنتاجي، بل مساراً ثقافياً أعاد الاعتبار للباس المحلي في مواجهة تدفق الملابس الجاهزة القادمة من مدن أخرى أو من موريتانيا. وبفضل الجودة والدقة وروح الإبداع، بات المنتوج المحلي اليوم يحظى بثقة واسعة تُعزز مكانته كرمز من رموز الهوية الحسانية.
ولا تقتصر أهمية التعاونية على صون الموروث فحسب، بل تتجلى أيضاً في مساهمتها القوية في خلق فرص شغل وتأهيل الكفاءات الشابة. فقد وفرت إلى الآن أزيد من 30 منصب شغل قار، إضافة إلى فرص مؤقتة تتجدد حسب فترات الإنتاج والطلب. كما تستقبل سنوياً عدداً من المتدربين في مسار التدرج المهني، ما يجعلها حاضنة حقيقية لاكتساب الخبرة وتعلم مهارات الصناعة التقليدية وفق منهجية عملية ومواكبة ميدانية.
وتعزيزاً لمسارها التنموي، عقدت التعاونية شراكات استراتيجية مع مؤسسات وطنية وازنة، من بينها المديرية الجهوية للصناعة التقليدية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن. وقد مكنت هذه الشراكات من بناء مقر حديث مجهز بمستلزمات العمل، وتحويله إلى فضاء مفتوح أمام وفود وطنية ودولية للتعرف على تطور الصناعة التقليدية بالجنوب المغربي. هذا الانفتاح أسهم في الارتقاء بصورة التعاونية وترسيخ حضورها على مستوى محلي وإقليمي.
وقد استطاعت التعاونية اليوم أن تغطي نحو 40% من خدمات الخياطة والطرز بمدينة العيون ونواحيها، مع توسيع دائرة عملها لتشمل زبناء من موريتانيا ومالي والجزائر. هذا الامتداد الخارجي يعكس مدى تنافسية منتوجها، ويجعلها رقماً صعباً في سوق الأزياء التقليدية الصحراوية.
ومع النجاحات المتراكمة، تواصل التعاونية رفع سقف الطموحات، إذ تعمل على مضاعفة طاقتها الإنتاجية وبلوغ 100 منصب شغل قار خلال السنوات المقبلة، إضافة إلى خلق فرص موسمية تستجيب للطلب المتزايد. وتروم التعاونية التحول إلى وحدة اقتصادية رائدة إقليمياً، قادرة على الربط بين التراث والتنمية، وعلى تقديم نموذج ملهم في استثمار الثقافة والتراث لخدمة الإنسان والاقتصاد المحلي.

إرسال تعليق