صادق مجلس المستشارين، بالأغلبية، على قانون المجلس الوطني للصحافة، في خطوة تشريعية تهدف إلى إعادة تنظيم قطاع الصحافة والنشر وتأطير الممارسة المهنية وفق ضوابط قانونية وأخلاقية. ويأتي هذا القانون في سياق يعرف تحولات عميقة، خاصة مع صعود الصحافة الرقمية وبروز مقاولات إعلامية ناشئة تبحث عن موطئ قدم داخل مشهد إعلامي متغير.

ويراهن المشرّع من خلال هذا القانون على تكريس مبدأ التنظيم الذاتي للمهنة، عبر منح المجلس الوطني للصحافة صلاحيات متعددة، من بينها منح بطاقة الصحافة المهنية، إعداد ميثاق أخلاقيات المهنة، النظر في الشكايات، إضافة إلى إبداء الرأي في مشاريع القوانين المرتبطة بالصحافة والإعلام. غير أن هذا التوجه، رغم أهميته، يثير تساؤلات حقيقية لدى المقاولات الإعلامية الصغرى حول قدرتها على الاستمرار في ظل شروط مالية وإدارية قد تكون ثقيلة.

فالمقاولات الناشئة، التي تعتمد في الغالب على إمكانيات محدودة ونماذج رقمية مبتكرة، تخشى أن يؤدي تنزيل القانون بشكل صارم إلى إقصائها غير المباشر، خاصة إذا لم يتم التمييز بينها وبين المؤسسات الكبرى من حيث الالتزامات والرسوم ومتطلبات التشغيل. ويعتبر مهنيون أن الخطر لا يكمن في نص القانون بحد ذاته، بل في كيفية تطبيقه والقوانين التنظيمية المصاحبة له.

في المقابل، يمنح القانون للمجلس الوطني للصحافة دوراً استشارياً في إبداء الرأي حول مشاريع القوانين، وهو ما يمكن أن يشكل فرصة حقيقية للدفاع عن مصالح المقاولات الصغرى، شريطة أن تكون ممثلة بشكل فعلي داخل هياكل المجلس، وأن يتم الإصغاء إلى صوت الصحافة الرقمية والمبادرات الإعلامية الجديدة.

ويبقى مستقبل المقاولات الإعلامية الصغرى رهيناً بمدى اعتماد مقاربة متوازنة، تجمع بين ضرورة تنظيم القطاع ومحاربة العشوائية، وبين تشجيع الاستثمار الإعلامي الصغير وضمان التعددية وحرية التعبير. فالقانون قد يكون أداة للإصلاح والتطوير، كما قد يتحول، في حال غياب المرونة، إلى عبء إضافي يهدد بقاء عدد من المقاولات الناشئة.

وفي انتظار مرحلة التطبيق، يظل الرهان الأساسي هو تحويل هذا القانون من مجرد نص تشريعي إلى آلية داعمة لمشهد إعلامي متنوع، عادل، وقادر على استيعاب مختلف الفاعلين، صغاراً كانوا أم كباراً.

Post a Comment

أحدث أقدم