أم القطط


في أحد أحياء مدينة سلا، تعيش سيدة بسيطة تحوَّل منزلها الصغير إلى ملجأ كبير لمئات الكلاب والقطط. قصتها ليست مجرد مبادرة فردية، بل حكاية صبر طويل، وحنان لا ينضب، وإصرار نادر على مواجهة واقع قاسٍ يعيشه كل حيوان تائه في الشارع.

منذ سنوات، بدأت الحكاية بكلب واحد وجدته مُهمَلًا على قارعة الطريق. تبعته قطة صغيرة، ثم أخرى، ومع مرور الأيام تحوّل باب بيتها إلى عنوان غير رسمي لكل روح تحتاج دفئًا وأمانًا. واليوم، باتت تعيش وسط مئات الحيوانات، تعتني بهم، تطعمهم، تنظف لهم، وتخصص لهم كل وقتها وجهدها.



تقول "حنان" بصوت مفعم بالعاطفة: "هاذو ولادي… عايشة معاهم، كيعنقوني، وما عمر شي واحد فيهم عضّني." كلمات تلخّص علاقة فريدة مبنية على الثقة والمحبة، علاقة قد لا يفهمها كثيرون، لكنّها واضحة في كل زاوية من زوايا منزلها.



ورغم هذا التفاني، تواجه السيدة صعوبات لا تُعدّ. فعدد الحيوانات يزداد باستمرار، والمرض والجوع يحتاجان عناية يومية، ومصاريف الغذاء والدواء تفوق قدرتها بكثير. بالإضافة إلى ذلك، لا يخلو الأمر من انتقادات الجيران أو ضغط الواقع الاجتماعي الذي لا يرحم. لكنها، وعلى الرغم من كل هذه التحديات، رفضت الاستسلام لسنوات. تعتبر ما تقوم به "واجبًا إنسانيًا" أكثر منه عملاً تطوعيًا، وتؤمن بأن كل روح تُنقَذ تستحق الجهد والتعب.



تقول بابتسامة لا تخفي تعب الأيام: "هما ما عندهمش حد… إلى ما وقفتش معاهم أنا، شكون غادي يوقف؟"
بهذه الجملة البسيطة تختصر فلسفتها في الحياة، فلسفة تؤمن أن الرحمة ليست خيارًا، بل التزامًا.



قصة هذه السيدة ليست مجرد مبادرة فردية؛ هي رسالة قوية عن الإنسانية في زمن قلّ فيه من يلتفت إلى الضعفاء. لقد حولت بيتها إلى بيت لهم، وحولت حياتها إلى حياة لهم، لكنها في المقابل وجدت فيهم حبًا صادقًا لم يقدمه لها البشر.

Post a Comment

أحدث أقدم