أعاد الإعلامي الجزائري حفيظ الدراجي الجدل مجدداً في الساحة الكروية الإفريقية، ليس بسبب معطى جديد أو كشف موثق، بل بسبب أسلوب خطاب اختار فيه التلميح بدل التصريح، والإيحاء بدل التحليل الصريح. تدوينته الأخيرة حول مسارات المنتخبات في كأس أمم إفريقيا بالمغرب، فتحت باب التأويل أكثر مما قدّمت توضيحاً، وهو ما يطرح تساؤلات حول مسؤولية الخطاب الإعلامي في البطولات الكبرى.

الدراجي لم يكتفِ بسرد نظام المواجهات في الأدوار الإقصائية، بل اختار لغة توحي بوجود “اختيار” غير بريء للخصوم، وختم كلامه بعبارة دينية قوية الدلالة: “والله خير الماكرين”. هذا الأسلوب، وإن كان لا يتضمن اتهاماً مباشراً، إلا أنه يزرع الشك في أذهان المتابعين، ويوحي بوجود تلاعب أو حسابات خفية دون تقديم أي دليل ملموس.

الإشكال هنا لا يكمن في الحق في التحليل أو التعبير، بل في خلط التحليل الرياضي بالخطاب الإيحائي، الذي يلمّح ولا يصرّح، ويترك الجمهور أمام استنتاجات خطيرة تمس مصداقية المنافسة والهيئات المنظمة. فحين يصدر هذا الكلام عن إعلامي مؤثر وصاحب قاعدة جماهيرية واسعة، فإن تأثيره يتجاوز النقاش الرياضي ليغذي مناخ الشك والاتهام المجاني.

كما أن تجاهل تعقيد نظام التأهل المعتمد من قبل “الكاف”، والذي أُعلن عنه مسبقاً ويُطبق على جميع المنتخبات دون استثناء، يُضعف من قيمة هذا الطرح، ويحوّل التحليل إلى قراءة انتقائية تخدم خطاباً معيناً أكثر مما تخدم الحقيقة الرياضية.

في النهاية، يبقى الإعلام الرياضي مطالباً بالوضوح والمسؤولية، خاصة في البطولات القارية الكبرى، لأن التشكيك غير المؤسس لا يسيء فقط إلى الهيئات المنظمة، بل يضرب مبدأ التنافس الشريف، ويختزل كرة القدم في نظرية مؤامرة دائمة، بينما الحقيقة الوحيدة التي يجب أن تحسم كل جدل تظل هي: ما يُقدَّم داخل المستطيل الأخضر.

Post a Comment

أحدث أقدم